مصادر الطاقه المستقبليه وإعادة رسم السياسات العالمية السائده
كما ستشكّل تلك الاكتشافات الجديدة إعادة توزيع بعض الأدوار من خلال شكل الصراعات الناشئة في الشرق الأوسط، بالتوازي مع عودة المارد الروسي إلى الساحة الدوليّة، والاستدارة الأميركيّة نحو المحيط الهادئ، فأحد مؤشرات إعادة رسم خريطة العلاقات الدوليّة، وما سينعكس عليها من تغييرات في مناطق أو بلدان كانت بمنأى عنها لمدّة من الزمن بما يعدّل في الثوابت الجيوسياسية التي في الماضي القريب.
إنقسام العالم إلى عدّة معسكرات؛ من جهة تواجد أقاليم الإنتاج، ومن جهة أخرى تواجد أقاليم الاستهلاك. لكنّ الأمر ليس بتلك البساطة التي يبدو عليها. فأقاليم الإنتاج بالضرورة ليست ستكون مستفيدة من النتائج الإيجابيّة،إلا بعدما تكون قد تخلصت من الآثار المدمّرة الناتجة عن صراع القوى العالميّة للسيطرة على المنابع، بهدف تأمين استمرار تدفّق النفط، والتحكّم بالاستثمارات والأرباح الناتجة عن استغلالها. القاعدة التى أرستها التوازنات التي تأسّست بعد الحرب العالميّة الثانية والمشهد الجيوسياسي الذي تعوّدنا عليه من تحالفات وأنظمة وصراعاتٍ مباشرة أو بالواسطة.لذا قد تشكّل الصراع على ممرّات الطاقة ومعابرها، أحد الأوجه الخفيّة للصراعات الجديدة
الإرتباط الاقتصاداى وعلاقتها بالتغيّرات المرتقبة
من المؤكد أن أصبحت الحدود غير قادرة على وقف النشاط الماليّ، وتبادل البضائع، و انتقال الأشخاص والأفكار، كما أضاف تطوّر تقنيّات الاتّصال وشبكات التواصل الاجتماعي إسفينًا جديدًا إلى بنية الحدود، التي على الرغم من استمرارها أصبحت تظهر أكثر وأكثر، مساهمة في زيادة ارتباط البشرببعضهم.
وقد أدّت زيادة عدد البلدان، نتيجة الانقسامات التي حصلت خلال السنوات الأخيرة، إلى زيادة طول الحدود في العالم. كما زادت مخاطر الانتقال عبر الحدود وتعقّدت إجراءاتها، بحيث أدّت زيادة التحرّك البشري إلى زيادة العوائق التي تحدّ منها. وقد تفاقم الوضع المذكور وزادت حدّته مؤخرًا مع انفجار أزمة النازحين من الشرق الأوسط بشكل عام ومن سوريا بشكل خاص، بحيث أصبحت تهدّد النموذج الأوروبي الذي تأثر باستثارة العصبيات. كما جسّد الواقع الأخير النظريّة القائلة بالتأثير الشامل للأحداث الموضعيّة. فالتغيير السياسي، قد يحفّز التغيير في القطاعات الأخرى، والتغيير الأمني، قد يزيد من درجة المخاطر الحسّية أو الافتراضيّة، والتغيير الاقتصادي يبدّل في شكل النظام العالميّ. ولا داعٍ للتكلّم على تأثير التغيير العلمي بسبب أثره الملموس على جميع أوجه الحياة.
يتوقّع أن تبقى مصادر الطاقة التقليديّة والبنية التحتيّة المستخدمة في استخراجها، إنتاجها وتوزيعها، عنصرًا رئيسًا في منظومة الطاقة العالميّة، وذلك على الرغم من الجهود التي يبذلها واضعو السياسات العالميّة لتغيير المعادلات القائمة. لكنّ تعقيدات السياسة العالميّة وتزايد حدّة المنافسة والتطوّر التكنولوجي، وضعت الإستقرار العالمي على مسار طويل من التغيير، مليء بالتحدّيات، موسوم بالغموض وعدم اليقين، مما غيّر من التوازنات القائمة منذ زمن والتي قامت عليها أنظمة بعض البلدان وعلاقاتها الدوليّة بأشكالها المتعدّدة وتناقضاتها الغريبة.
تشير شبكة المصالح المعقّدة بتقاطعاتها ومعادلاتها إلى نتيجة منطقيّة تتمثّل باستمرار الولايات المتّحدة في استيراد نفط الشرق الأوسط ذي الكلفة المتدنّية، بالتوازي مع تطوير قدراتها واستثماراتها للمحافظة على الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، بما يُبقي خياراتها مفتوحة بين أقنية الاتّصال والاستيراد من المصادر ذات الكلفة المتدنّية من جهة، وبين المحافظة على قدرة داخلية أو اقليمية للتعويض عن النقص المحتمل في الامدادات. يؤمّن هذا الخيار المرونة الضرورية لأمنها القومي كما يثبّت سياستها القائمة على الهيمنة على أسواق الطاقة العالميّة، من خلال العمل على تطويق روسيا أو تقليص نفوذها كحدّ أدنى في كلّ من أوروبا الشرقية، آسيا الوسطى وسوريا، عبر خلق بدائل تخفّف من تأثير روسيا في سوق النفط العالمية وطموحاتها في زيادة حصتها. إضافة إلى ذلك تستمرّ الولايات المتّحدة في استدارتها نحو الشرق، محاولة فرملة تمدّد الصين في الشرق من خلال تطويق توسّعها ونشاطاتها العسكرية من جهة، وفتح أقنية اتّصال مع جارتها اللدودة فيتنام التي تشكّل سوق يدها العاملة الرخيصة بديلًا مهمًّا عن اليد العاملة الصينية.
أظهر دفع الإدارة الأميركية باتجاه الإتفاق النووي مع إيران الهامش الواسع الذي أصبحت الولايات المتّحدة تتمتّع به في علاقاتها مع دول الخليج بشكل عام. لكنّ ذلك لا يعني أنّ سياستها في المنطقة قد تغيّرت بشكل دراماتيكي. وفي حين يربط بعض التقارير هذه الليونة بإرادة الإدارة الحالية ويصفها بالمرحلية، تشير الوقائع إلى نيّة دول الخليج العربي، بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة، بمقاومة التقارب الأميركي – الإيراني على جميع الصعد. ولا يمكن في هذا المجال حصر الخلاف بالأسباب العقائدية، حيث تشكّل العودة الإيرانية إلى سوق الطاقة والحصّة المرتقب استحواذها عليها في سوق النفط ضمن أسس الإختلاف بين الطرفين
نُقل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوله: "يحدّد دور روسيا في سوق الطاقة العالميّ، بطرق عدّة، تأثيرها الجيوسياسي". يلخّص هذا القول النظرة الروسيّة الحاليّة والمستقبليّة للطاقة، ودورها في السياسة والاقتصاد. وقد أثبتت روسيا أنّها لا تهادن عندما يتعلّق الأمر بمصالحها الاستراتيجيّة، فكيف لا تستعمل الطاقة كأداة، عندما تمتلك أحد أهمّ شرايين الطاقة الأوروبيّة؟ تشير التطوّرات الحالية إلى استمرار التشدّد الروسي في السياسة القائمة على تأمين الحضور الفاعل في سوق الطاقة الدوليّة، حتّى ولو أدّى ذلك إلى التدخّل العسكري حيث تريد أن تحتفظ بمكانتها الحاليّة، لا بل أن ترفع من شأنها، من خلال المحافظة على تحكّمها في أسواق الطاقة الأوروبيّة بشكلٍ خاص تشكّل هذه العوامل مجتمعة، أسبابًا هامّة للعدائيّة السياسيّة، الديبلوماسيّة، والعسكريّة، التي تميّزت بها المقاربات الروسيّة خلال السنوات الأخيرة والمتوقّع استمرارها خلال السنوات المقبلة.
أمّا في الصين، فيمكن ملاحظة تغيّر جوهري في الاستراتيجيّة المتّبعة في تعاملها مع محيطها وفي سياستها الدوليّة. فبعد عقود من المسايرة واعتماد مقاربات مسالمة، بدأت الصين خلال العقد الأخير سياسة مشاكسة، إقليميًا ودوليًا، حيث تعتبر أنّ المحافظة على معدّلات نموّها تتطلّب منها رفع حجم تجارتها الآسيويّة إلى تريليون دولار سنويًا بحلول العام 2020 ، الأمر الذي تعثّر خلال العامين المنصرمين. وتشكّل المناورات التي تجريها الصين مؤخّرًا في المناطق المتنازع عليها مع اليابان وتحرّشها المستمر بجيرانها، أحد أهمّ مؤشّرات التململ الإقليمي بهدف فرض السيطرة على المنطقة بشكل عام وبحر الصين بشكل خاص. كما يعتبر حلفها الاستراتيجي مع روسيا من خلال تغيير مقارباتها الدبلوماسيّة في الشرق الأوسط، أميركا الجنوبيّة وأفريقيا، بالإضافة إلى مواقفها في مجلس الأمن، في صلب طموحاتها لزيادة أسواق التصريف لديها وتوسيعها من جهة، وتأمين حرّية وصولها إلى منابعِ الطاقة من جهة أخرى.
من هنا نجد أن أحد أسباب التململ الصيني والعودة الروسيّة إلى حلبات هذه الصراعات، تحت مسمّيات ومبرّرات أمنيّة، ما هى سوى غايات اقتصاديّة تتمثّل فى تأمين تدفّق النفط للمحافظة على مستوى التأثير الحالي في هذه السوق الحيوى، وذلك بما يتوافق مع المصالح الخاصة بكلّ منهما.
تطرح التطوّرات المذكورة أعلاه تساؤلات عديدة حول أشكال التغّيرات المرتقبة في مصادر الطاقة، وأثرها على الروابط الجيوسياسية المرتبطة بشبكات المصالح الاقتصاديّة، ذات العلاقة بمنابع النفط وممرّاته. لمعرفة المدى المؤثر على طبيعة التحالفات القائمة ومتانتها، ومراكز التأثير الإقليميّة والدوليّة على استقرار بعض الدول أو الأقاليم، سلبًا أو إيجابًا.
تعليقات بلوجر
تعليقات فيسبوك